Image Not Found

الانفصال بين الزوجين في أدب الأطفال

[tie_full_img][/tie_full_img]

يفترض عند إنتاج ادب للاطفال العرب، طرح المسائل المهمة بعيداً عن الانجرار وراء الأدب الغربي. فهناك فوارق جوهريه لا بد أن تُدرس وتُستوعب قبل أن يتم التطرق لمسألة حساسة جداً، كالطلاق مثلاً..

تتفاوت الأسر في قدرتها على مد الطفل بالمرتكزات الاساسية للتفاعل مع العالم الخارجي. ويعتبر أدب الطفل واحداً من الوسائل الهامة التي يعول عليها التربويون وعلماء النفس في إعطاء الطفل القدرة على التأقلم الإجتماعي. ويستفيد التربويون من قصص الأطفال في توصيل مفاهيم ورؤى لإحداث تغيير في الاتجاهات والسلوكيات أو للمساعدة في تقبل أوضاع محددة. كما أن الاخصائيين النفسيين يجدون في الأسلوب القصصي مدخلاً ووسيلة فعالة في معالجة الأطفال من بعض المشاكل النفسية. وهناك توجه كبير في العالم الغربي للاستفادة من قصص الأطفال في هذه النواحي: التعليمية والتربوية والنفسية وسواها… لهذا نجد قصصاً عديدة في مجالات مختلفة ومتعددة من بينها مسألة “الطلاق”.

يشغل الطلاق فكر الأطفال بسبب تأثرهم بتبعات انفصال الوالدين. ولهذا فهو يعتبر من الأمور الهامة التي تطرق إليها الأدب الغربي منذ عشرات السنين، وهو بدأ يطرق باب أدب الأطفال العرب مؤخراً ولكن على استحياء. ففي هذا العام ظهرت قصتان شاركتا في مسابقة “إتصالات لأدب الأطفال”. إحدى القصتين فازت بالجائزة كأحسن كتاب لعام 2017، وهي “بدل البيت بيتان” للكاتبة لوركا سبيتي ورسم منى يقظان، ومن منشورات دار الساقي. والأخرى كانت ضمن القائمة القصيرة وهي “لقاء.. لقاء” للكاتبة نبيهة المحيدلي ورسم لجين أصيل، ومن منشورات دار الحدائق.

نظرة سريعة للقصتين

تطرح قصة “بدل البيت بيتان” فكرة الطلاق من وجهة نظر الطفل الذي يفتقد إلى من يلعب أو يقرأ معه. فوالدا الطفل في شجار دائم “ماما وبابا يتشاجران كالعادة ويصرخان بصوت عال”، والطفل يعاني من تلك الأصوات العالية ويراقب والديه بحزن. لكن الأم تطمئنه وتخبره بأنها اتفقت مع والده على الطلاق شارحة له معنى الكلمة. وبعد أن يطرح الطفل عددا من الأسئلة، يشرح له الأبوان نوعية الحياة القادمة. لكن تظل عنده بعض التخوفات، مثل أن يتركوه وحيداً، أو سؤال أصدقائه له.. وعند ايضاحها تنتهي عقدة الطفل ليعلن انه فرح فهو لديه بيتان، فقد كان يحب العيش مع الوالدين معاً، لكنه يقول “وحين تطلقا عشنا جميعاً براحة وسلام”.

قصة “لقاء.. ولقاء” تطرح معاناة طفلة من انفصال والديها. تقول الكاتبة: “مرة، كان هناك بنت صغيرة تعيش مع أمها وأبيها…”، كانت الفتاة فرحة ومسرورة “ككل الصغار”. كانت تستيقظ ليلاً لتنام في سرير والديها. لكنها في يوم ما وجدت ان والدها لم يكن على السرير، وقد تكرر ذلك فاعتراها الاستغراب، إلى أن جاء الوالد “بعد مدة لا تتذكر كم” وأخذها معه الى بيته. فحينما تكون الطفلة مع والدها تمضي وقتاً سعيداً وكذلك الحال مع والدتها، لكنها تشعر بحزن حينما تبتعد عن أحدهما. وفي إحدى المرات وهي في طريقها بين بيت الأم وبيت الأب توقفت لتبحث عن الفرح محاولة منها تجربة أشياء جديدة. وحينما وجدت صبياً لعبت معه لعبة تركيب القطع. وعندها اكتشفت أن أمها وأباها مثل قطعتي لعبة التركيب. وبهذا ارتاحت في أنها ليست السبب فيما جرى لوالديها، ومنذ ذلك الوقت لم تعد تشعر بتأنيب الضمير.

تتماهى طريقة تناول القصتين لمسألة الطلاق مع الاسلوب المتبع في أدب الاطفال الغربي، في حين أن هناك اختلافات اجتماعية كبيرة تنتج من عملية الطلاق بين الزوجين في المجتمع العربي مقارنة بالمجتمع الغربي.. لم تقم لها القصتان اعتباراً. في العالم العربي نادراً ما نجد وئاماً ووفاقاً بين الزوجين المنفصلين بعد عملية الطلاق، وهو ما يسبب الكثير من الألم والمعاناة للأطفال، فيما يمكن أن يتفاهم الابوان المطلقان في المجتمعات الغربية فيتمتع الطفل الغربي ببيتين بدلا عن بيت واحد، وغرفتين بدلا عن غرفة واحدة. لهذا فلا يكفي ان يقال ببساطة للطفل العربي “ها.. انظر لقد أصبح لديك بيتان بدلا عن بيت واحد”.

الحبكة القصصية

وتفتقد كلتا القصتين للحبكة القصصية. فقصة “بدل البيت بيتان” طرحت مشكلة شعور الطفل بالوحدة “أحب طابتي العتيقة كثيراً.. أحب كتابي العتيق أيضاً.. لكنني لا أقدر على اللعب بالكرة وحدي.. أقرأ الكتاب وحدي”. لكن القصة بدلاً من أن تحل مشكلة وحدة الطفل بدأت في معالجة مشكلة أخرى وهي “ماما وبابا يتشاجران ويصرخان بصوت عال…”. فما هي حبكة القصة.. الشعور بالوحدة أم المشاجرة بين الوالدين؟

أما قصة “لقاء ولقاء” فبدأت بداية بطيئة جدا.. في الصفحة العاشرة تشير الكاتبة الى مغادرة الصغيرة غرفتها الى غرفة نوم والديها، لتكمل نومها في سريرهما. يظن القارئ للوهلة الاولى أن حبكة القصة تكمن في النوم على سرير والديها وهي مسألة يعاني منها الكثير من الآباء والأمهات، وتصلح أن تكون حبكة لقصة جميلة، لكن.. الحبكة هنا هي افتقاد الطفلة لأبيها على السرير، مما يجعلها غير سعيدة.

البعد التربوي

تفتقد القصتان للبعد التربوي في طرحهما رغم أنهما من المفترض أن ترتكزا على ذلك في حل مسألة شائكة كالطلاق. فقصة “بدل البيت بيتان” أغفلت العديد من الأمور التربوية في أسلوب طرحها. وقد وردت عدد من العبارات في القصة التي لا يناسب تضمينها هنا. فهدف هذا النوع من القصص هو جعل الطفل متقبلاً لفكرة انفصال الوالدين، لكن أن نوحي أن الانفصال يجعله سعيداً وفرحاً فذلك يتعارض مع واقع الطفل ويستهين بمشاعره وأحاسيسه ويجعله يقع في ارتباك وحيرة.
وأما قصة “لقاء.. ولقاء” فقد تبنت طرحاً غير تربوي كمدخل إذ استخدمت إحدى المشاكل التربوية التي يحاول الآباء والأمهات معالجتها (وهي “مشاركة الوالدين في سريرهما”). والأمر الآخر، أن الطفل لا يكتشف عدم وجود الأب في البيت إلا ليلاً. ثم تشير القصة الى أن الطفلة “بعد مدة لا تذكر كم أتى والدها..”، فأين كان الوالد في تلك الفترة، ولماذا لم يأتِ لتفقد صغيرته؟ وغيرها الكثير من الاسئلة المحيرة التي قد تدور في ذهن الصغار، مما يجعل القصة، بدلاً من أن تعالج مسألة انفصال الوالدين فإذا بها تزيد الأطفال هماً وشعوراً بالخوف من نتائج الانفصال!

الخيال

تفتقر القصتان الى الخيال المنسجم مع خصائص الطفولة في تناول مسألة الطلاق. فتعرض قصة “لي بدل البيت بيتان” عددا من الأسئلة البسيطة التي تدور في ذهن الطفل والتي تهدأ عبر اجابات مقتضبة من الوالدين مثل: “لكن ماذا سأقول لأصدقائي في الصف؟” أو “يخبرني بابا بأن الطلاق ليس عيباً”.. وفي النهاية يعلن الطفل: “أنا الآن فرحان.. صار عندي بدل البيت بيتان”، “وحين تطلقا عشنا جميعا براحة وسلام”! فيا ترى ما هي الرسالة التي تريد الكاتبة ايصالها إلى الأطفال؟
قصة “لقاء.. ولقاء” لم تبرز مشكلة الطفل بها منذ بداية القصة، بل ظهرت بوضوح في العرض الموجز في الغلاف الخلفي للقصة، حيث أوضحت الكاتبة “سببُ حزنها شعورها بالذنب لانفصال والديها…”. هذا السبب لن يدركه قارئ القصة إلا في الصفحة (23): “ظلت الصغيرة حزينة.. هناك شعور ما بداخلها يقلقها، ويجعلها تشعر بالذنب لما يحصل مع والديها”. لكن.. لماذا وما هو سبب ذلك القلق والشعور؟ لا يجد القارئ توضيحاً في القصة يعلل تلك المشاعر التي لا تتناسب مع عمر القارئ المستهدف. فكيف تناولت القصة حل مشكلة الطفلة مع انفصال والديها؟ هي تشارك طفلا يلعب بتركيب قطع اللوحة “Puzzle”، وقبل أن تغادره قال لها الطفل شيئاً “خفف من شعورها بالحزن”، فما هو ذلك الشيء؟ أخيراً توضح القصة أن حديث الطفلة مع الصبي جعلها تدرك أن والديها مثل “قطعتي تركيب غير متناسبين” وهو ما خفف من شعورها بالذنب.. وهكذا انحلت مشكلة انفصال الوالدين. لكن هل حقا كانت مشكلة الانفصال أم كانت مشكلة الشعور بالذنب؟ وهل تم حل مشكلة الطفل أم أنه حقا استطاع ان يدرك ان والديه كمثل قطعتي التركيب؟

وأخيراً يفترض بالقائمين على قصص الأطفال في العالم العربي، عند الخوض في بعض المسائل المهمة بالنسبة للطفل، ان يطرحوها باستقلالية، بعيداً عن الانجرار وراء الأدب الغربي. فهناك فوارق جوهريه لا بد أن تُدرس وتُستوعب قبل أن يتم التطرق لمسألة كمثل مسألة الطلاق.

فاطمة أنور اللواتي